سعادة الدكتورة شيخة سالم الظاهري توجه رسالة في يوم الأرض

لطالما كانت سعادة الدكتورة شيخة سالم الظاهري، الأمين العام لهيئة البيئة، أبوظبي محاطة بالطبيعة منذ طفولتها، وتتذكر كثيراً مكتبة والدها الكبيرة، حيث كان دائماً ما يردّد أهمية القراءة في تنمية وإثراء العقول، وساهمت هذه النشأة في تحفيزها لتحصيل العلم والمثابرة وبشكل خاص في مجال العلوم والطبيعة، وثانياً احترام وتقدير الوقت والاستفادة القصوى منه حيث كان والدها يردد دائماً "الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك" مشدداً على أهمية تنظيم يومنا بين الدراسة وبين تعلم المهارات والأنشطة الأخرى وأخيراً الإتقان والإخلاص في أي عمل نقوم به الأمر الذي شكّل لديها التزاماً لتقديم أقصى ما بوسعها لخدمة وطنها أولاً، ومؤسستها ومجتمعها ثانياً ودراسة التخصص البيئي الذي لم يكن مألوفاً أو شائعاً قبل 20 عاماً فهي الإماراتية الأولى الحاصلة على درجة الدكتوراه في صون وحماية الحياة الفطرية في الإمارات. ومن القيَم التي تحرص عليها تشجيع الشباب من حولها للخوض في هذا التخصص لحاجة سوق العمل إليه، ولله الحمد تفتخر بتأثيرها الإيجابي على العديد من أفراد العائلة الذين تخصصوا في علوم البيئة، وكذلك الطاقات الشبابية في هيئة البيئة فأصبح هناك إماراتيين متخصصين في الحياة البحرية والحياة البرية بمختلف أنواعها، والتي ساعدت على سدّ فجوة كبيرة في هذا التخصص. ومن أكثر اللحظات التي تعتزّ بها لحظة إعلان فوزها بوسام رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبوظبي عن فئة المدير التنفيذي للأداء الحكومي المتميز عام ٢٠١٥وهو الأقرب إلى قلبها لأنّه يعبّر عن جميع العقبات والتحديات التي واجهتها وتكلّلت بالنجاح، والأهمّ من ذلك اعتبارها هذا الوسام هو نجاح وتقدير لوالدها الذي كان يدعمها وإخوتها، ووضعهم على النهج الصحيح ليكونوا مواطنين مخلصين فاعلين في خدمة الوطن. لنتعرّف عن قرب إلى مساهمة سعادتها من خلال مسيرها المهنيّة بتأمين مستقبل مستدام لأبو ظبي والإمارات بشكل عام وإلى آراء سعادتها بما يتعلّق بالتحديّات البيئيّة.

التصوير: Maximilian Gower

التحقت سعادة الدكتورة شيخة سالم الظاهري بالعمل في الهيئة عام 2000 كمساعد باحث بقطاع التنوع البيولوجي البري والبحري، الأمر الذي أتاح لها الفرصة للمساهمة في الحفاظ على الإرث البيئي الذي تركه المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيّب الله ثراه" وتحقيق الرؤية الطموحة لقيادتنا الرشيدة. وتخبرنا سعادتها: "في بدايات عملي كانت هناك حاجة ملحّة لفهم بيئتنا وجمع العديد من البيانات الغير متوفرة آنذاك والتي أسهمت اليوم وبشكل كبير في تحديد الحالة البيئية للإمارة حيث كانت سنواتي الخمس الأولى ترتكز على تواجدي بشكل مكثف في الميدان لعمل رحلات استكشافية لرصد النباتات والحيوانات البرية والبحرية وأيضاً شملت تحديد ورسم الخرائط البيئية والتي تشكل مرجع رئيسي للعديد من برامجنا اليوم". وتضيف: "تدرّجت في السلم الوظيفي وكلي إيمان بأن استغلّ كل محطة من محطات عملي في اكتساب الخبرة وبناء قدراتي العلمية والعملية وتكللت هذه المسيرة في عام 2012، بتعييني بمنصب المدير التنفيذي لأحد أهم القطاعات الحيوية، ومن خلال قيادتي لفريق العمل عملنا على التأكّد من تحقيق فهم شامل لحالة التنوع البيولوجي بالإمارة، وحرصننا على ربط جميع مبادراتنا بالرؤية البيئية 2030 واستراتيجية هيئة البيئة - أبوظبي وخطة الإمارة، وبفضل جهود فريقي كان لنا دوراً رئيسياً في وضع رؤية واضحة للقطاع تمثلت في "الوصول إلى بيئة مستدامة ومستقبل مستدام للتنوع البيولوجي في إمارة أبوظبي". ساهمت وفريق عملي في تأسيس أكبر شبكة محميات برية وبحرية على مستوى الدولة والمنطقة وبرامج إعادة التوطين للمها العربي والمها الافريقي أبوحراب بالإضافة إلى تعزيز استدامة الثروة السمكية من خلال اصدار عدة قرارات وسياسات بيئية". وفي عام 2019، تم تعيين سعادتها كأمين عام لهيئة البيئة - أبوظبي. وخلال مسيرتها منذ ذلك الحين ساهمت بشكل كبير في طرح أفكار وحلول مبتكرة لحماية البيئة والحفاظ على الأنواع وتبني أحدث التكنولوجيا مثل الطائرات بدون طيار لزراعة ونثر البذور والذي حظي باعتراف دولي من قبل المنتدى الاقتصادي العالمي ضمن أفضل ١٢ ابتكار على مستوى العالم والذي يهدف إلى معالجة التحديات المتعلقة بالمحيطات والتغير المناخي.

وتشرح لنا سعادتها: "سخرنا الطيارات بدون طيار في دراسة ملوثات التربة وتعتبر هذه الدراسة هي الأولى من نوعها في المنطقة، كما عملنا على تأسيس شبكة مراقبة واسعة لجودة الهواء والمياه البحرية لضمان توفير بيئة صحية لجميع الأفراد. نجحت مع فريق عملي في تطوير أول سفينة بحثية والأكثر تقدماً في المنطقة من ناحية المختبرات والتكنولوجيا "جيّون" تعمل على تعزيز جهودنا في مواجهة تحديات التغير المناخي كما تستهدف تأهيل كوادر مواطنة في عدة تخصصات حيوية ونفتخر بحصول "جيّون" على علامة "الجاهزية للمستقبل" وهي علامة وطنية تمنحها حكومة دولة الإمارات للجهات الاتحادية والمحلية التي تصمم وتنفذ مشاريع استباقية واستثنائية،  كما أشرفت على تنفيذ العديد من البرامج المتعلقة بسياسة التنوع البيولوجي، وأوّل استراتيجية للتغير المناخي في إمارة أبوظبي، ورفع نسبة المخزون السمكي في الإمارة إلى مستويات مستدامة والأنواع المهددة ومصائد الأسماك، بما في ذلك برامج إعادة توطين الأنواع على المستوى الوطني والعالمي. كذلك جهودنا في مجال التوعية والتعليم والتي بدأت قيل ٢٥ عاماً بباص متنقل يحوي عددا من المصادر التعليمية يتجول بين المدارس إلى مشاركتنا في إعداد المحتوى التعليمي المتعلق ببرامج البيئة وتأسيس مبادر أبوظبي للمدارس والجامعات المستدامة حيث انضمت أكثر من ٩٠% من المدارس إلى البرنامج والذي حظيّ باعتراف من الأمم المتحدة كبرنامج تعليمي يعزز مفهوم الاستدامة لدى الأجيال. ونفخر أيضا بإطلاقنا لسياسة البلاستيك المستخدم لمرة واحدة والذي يهدف إلى تشجيع المجتمع لاستخدام بدائل أكثر استدامة وتقليل استخدام الأكياس البلاستيكية ومنها من الوصول الى البيئة". وتضيف: " كما نفخر وفريق عملي وبدعم من القيادة في تأسيس مركز المصادر الوراثية النباتية والذي يعتبر أحدث وأكبر مركز على مستوى المنطقة يعنى بحفظ البذور النباتية والبحرية لفترات تمتد إلى ٥٠ عام ويهتم بدارسة الخصائص الجينية لدعم دراسات وتأثيرات التغير المناخي كما يهدف إلى تأهيل الباحثيين من الكوادر المواطنة في هذا المجال . نفتخر وفريق عملي أيضا بالشراكات والتعاونات الدولية والتي تعكس قوة والدور الذي تلعبة الهيئة ليس فقط على المستوى المحلي وإنما على المستوى الدولي حيث قمنا من خلال هذة الشراكات بتحسين حالة بعض الأنواع المهددة مثل الطيور المهاجرة والانواع البحرية مثل السلاحف وقصة نجاح اكبر مشروع عالمي طموح لإعادة توطين المها أبوحراب في جمهورية تشاد بعد انقراضة لأكثر من ٣٠ عاماً حيث يتواجد اليوم في البرية أكثر من ٥٠٠ رأس في أحدى المحميات. ونظراً لأنني بدأت مسيرتي المهنية في الهيئة بوظيفة باحث، وكنت شاهدة على النمو المتزايد الذي حققته الهيئة يوماً بعد يوم، أفتخر بشكل كبير بالأشواط الطويلة التي قطعناها حتى اليوم مع فريق عملي، الذي يعمل بجد ومثابرة على إدارة المحميات الشاسعة وإطلاق الأنواع المهددة التي تم إكثارها في الأسر إلى البرية، وإجراء البحوث والدراسات على تربتنا ومياهنا الجوفية، ومراقبة جودة الهواء والمياه البحرية، وسنّ القوانين الجديدة وضمان الامتثال لتشريعاتنا، وتشجيع الجمهور على اتباع أنماط حياة أكثر استدامة".

إقرئي أيضاً: تأثير أزمة المناخ على النساء بقلم  Hannah Rasekh

من خلال دور سعادتها في هيئة البيئة أبوظبي المكلّفة بمسؤولية حماية البيئة والمحافظة عليها وتحقيق التنمية المستدامة في إمارة أبوظبي، ما هي الأولويّة اليوم في مجال التوعية البيئية في الدولة وكيف يمكن نشر الوعي تجاه جيل الشباب في هذا الإطار؟ تؤكّد لنا سعادتها: " يعتبر التعليم البيئي من أجل التنمية المستدامة هو أحد أهم الأهداف التي وضعتها الهيئة ضمن خطتها الإستراتيجية لرفع مستوى الوعي البيئي بين أفراد المجتمع، فقد واصلت الهيئة جهودها لتحقيق هذه الرؤية التربوية التي تؤكد على أهمية التعليم البيئي ودوره الكبير في تحقيق التنمية المستدامة، من خلال تحقيق التوازن بين الرخاء الإنساني والاقتصادي والتقاليد الثقافية، وتلبية الاحتياجات الإنسانية بما يتماشى مع الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية. وتؤمن قيادتنا الرشيدة بدور الشباب وأهمية تمكينهم وتزويدهم بالمهارات والمعلومات البيئية اللازمة ليصبحوا رواد الاستدامة في المستقبل. فالشباب يتمتعوا بالقدرة على صنع التغيير، مدعومين بنطاق أوسع من التواصل والوصول إلى وسائل التواصل الاجتماعي. وقد تم اختيار هيئة البيئة – أبوظبي لتكون ممثلة عن مدينة أبوظبي باستضافة الدورة الـ 12 من المؤتمر العالمي للتربية البيئية، الذي عُقد في نهاية شهر يناير الماضي، وذلك لتميزها وخبرتها التي تمتد إلى عقود في مجال التعليم البيئي. ففي عام 2009، أطلقنا مبادرة المدارس المستدامة، التي تعتبر واحدة من مشاريعنا الرائدة في مجال التعليم البيئي بسبب سعيها لتعزيز الاستدامة البيئية في المدارس، ويشارك فيها اليوم أكثر من 460 مدرسة. وفي عام 2014، أطلقنا مبادرة الجامعات المستدامة بهدف تعزيز القدرات القيادية بين شباب دولة الإمارات العربية المتحدة ومعالجة قضايا الاستدامة البيئية، حيث تلتزم 24 جامعة بتنفيذ هذه المبادرة في حرمها الجامعي". وتضيف: " أودّ أن أؤكّد بأنّ التوعية البيئية هي ركيزة أساسية يجب الارتكاز عليها والاهتمام بها من قبل جميع المؤسسات الحكومية وغير الحكومية والقطاع الخاص والافراد حيث تعتبر مسؤولية مشتركة ليناء مجتمع وجيل واعي وقادر ومسؤول على المحافظة على البيئة واستدامة مواردها الطبيعية".

إقرئي أيضاً: المبادرات الخضراء التي سيفتخر بها الجيل القادم

تشاركنا سعادتها نصائح مع النساء اللواتي يردن خوض مجال العمل البيئي وتقول: " تؤمن قيادتنا الرشيدة بقدرات المرأة الإماراتية، فهي طموحة جداً، وقادرة على خوض معارك الصعاب والتّحدي في أي منصب تُكلّف به. كما أنّ الثقة التي أولتها إيَّاها قيادتنا الرشيدة عززت من حضورها ودورها الفعّال في المجتمع، وأدعو كل امرأة إلى اكتشاف قدراتها، فهي عالم غني بالإمكانات غير المحدودة إذا ما اكتشفتها فمن المؤكد بأنها ستحلق في سماء الإنجاز والإبداع لرفع راية الوطن، وأدعوها أيضاً إلى الخروج عن نمط التفكير المألوف وتجاوزه لتصل إلى مرحلة الإبداع وإلى مستويات الابتكار فكل الظروف مهيأة حولها. والأهم وجود عائلة داعمة فهي مفتاح من مفاتيح التوازن الوظيفي والحياة الخاصة، وأيضا من المهم وجود برنامج يومي واضح ونمطي سواء للمهام الوظيفية أو لمهام الأسرة ويساعد هذا البرنامج في تقسيم الوقت بكل فاعلية لاستثماره بأفضل ما يمكن سواء كنت في المكتب أو البيت".

وتختتم بهذه الرسالة للأرض بشكل عام ولأرض الإمارات في يوم الأرض العالمي وتقول: "الأرض هي ملجأنا الحالي والوحيد، هي الأم وهي الوطن وهي حضن لجميع البشر لذا علينا أن نهتم ونحافظ على أرضنا الوحيدة والتي في المقابل سوف تؤدي دورها في رفد الموارد الطبيعية والاساسية التي نحتاج لها جميعاً وسيحتاجها أبناءنا وأحفادنا بصورة أكبر.. يجب ان نترك هذه الأرض بحال أفضل مما ورثناها من أجدادنا وآباؤنا لنضمن مستقبل مستدام وصحي لأبنائنا وجيل المستقبل ويأتي انتهاجاً لمقولة المغفور له، الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه - وأحد أهم حماة الطبيعة في العالم "نحن الذين نعيش الآن فوق هذه الأرض.. مسؤولون عن الاهتمام ببيئتنا والحياة البرية، وواجب علينا الوفاء لأسلافنا وأحفادنا على حد سواء".

إقرئي أيضاً: سعادة الدكتورة نوال الحوسني تعرفي إليها

 

اكتب الكلمات الرئيسية في البحث